سورة يوسف - تفسير تفسير الخازن

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
تفسير السورة  
الصفحة الرئيسية > القرآن الكريم > تفسير السورة   (يوسف)


        


{قال} يعني قال لهم يعقوب {لن أرسله معكم حتى تؤتون موثقاً من الله} يعني لن أرسل معكم بنيامين حتى تؤتون عهد الله وميثاقه والموثق العهد المؤكد باليمين، وقيل هو المؤكد بإشهاد الله عليه {لتأتنني به} دخلت اللام هنا لأجل اليمين وتقدريه حتى تحلفوا بالله لتأتنني به {إلا أن يحاط بكم} قال مجاهد: إلا أن تهلكوا جميعاً فيكون عذراً لكم عندي، لأن العرب تقول أحيط بفلان إن هلك أو قارب هلاكه.
وقال قتادة: إلا أن تغلبوا جميع فلا تقدروا على الرجوع {فلما آتوه موثقهم} يعني فلما أعطوه عهدهم وحلفوا له {قال الله على ما نقول وكيل} يعني قال يعقوب الله شاهد على ما نقول كأن الشاهد وكيل بمعنى أنه موكول إليه هذا العهد، وقيل وكيل بمعنى حافظ.
قال كعب الأحبار: لما قال يعقوب {فالله خير حافظاً} قال الله تعالى: وعزتي وجلالي لأردن عليك كليهما بعد ما توكلت علي وفوضت أمرك إليّ، وذلك أنه لما اشتد بهم الأمر وضاق عليهم الوقت وجهدوا أشد الجهد لم يجد يعقوب بداً من إرسال بنيامين معهم فأرسله معهم متوكلاً على الله ومفوضاً أمره إليه.
قوله عز وجل إخباراً عن يعقوب {وقال يا بني لا تدخلوا من باب واحد وادخلوا من أبواب متفرقة} وذلك أنهم لما خرجوا من عند يعقوب قاصدين مصر قال لهم يا بني لا تدخلوا يعني مدينة مصر من باب واحد وادخلوا من أبواب متفرقة وكان لمدينة مصر يومئذ أربعة أبواب، وقال السدي: أراد الطرق لا الأبواب يعني من طرق متفرقة وإنما أمرهم بذلك لأنه خاف عليهم العين لأنهم كانوا قد أعطوا جمالاً وقوة وامتداد قامة وكانوا أولاد رجل واحد فأمرهم أن يتفرقوا في دخولهم المدينة لئلا يصابوا بالعين فإن العين حق، وهذا قول ابن عباس ومجاهد وقتادة وجمهور المفسرين.
(ق) عن أبي هريرة رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: «إن العين حق» زاد البخاري «ونهى عن الوشم».
(م) عن ابن عباس عن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: «العين حق ولو كان شيء سابق القدر لسبقته العين وإذا استغسلتم فاغتسلوا» عن عائشة رضي الله تعالى عنها قالت «كان يؤمر العائن فيتوضأ ثم يغتسل منه المعين» أخرجه أبو داود.
قال الشيخ محيي الدين النووي رحمه الله تعالى: قال المازري: أخذ جماهير العلماء بظاهر هذا الحديث وقال العين حق وأنكره طوائف من المبتدعة والدليل على فساد عقولهم ان كل معنى يكون مخالفاً في نفسه ولا يؤدي إلى قلب حقيقة ولا إفساد دليل فإنه من مجوزات العقول وإذا أخبر الشرع بوقوعه وجب اعتقاده ولا يجوز تكذيبه وإنكاره وقيل لا بد من فرق بين تكذيبهم بهذا وتكذيبهم بما يخبر به من أمور الآخرة قال وقد زعم بعض الطبائعيين مثبتين للعين تأثيراً أن العين تنبعث من عينيه قوة سمية تتصل بالمعين فيهلك أو يفسد قالوا ولا يمتنع هذا كما لا يمتنع انبعاث قوة سمية من الأفعى والعقب تتصل بالملدوغ فيهلك وإن كان غير محسوس لنا فكذا العين، قال المازري: وهذا غير مسلم لأنا بينا في كتب علم الكلام أنه لا فاعل إلا الله تعالى وبينا فساد القول بالطبائع وبينا أن المحدث لا يفعل في غيره شيئاً، فإذا تقرر هذا بطل ما قالوه ثم تقول هذا المنبعث من العين إما جوهر وإما عرض فباطل أن يكون عرضاً لأنه لا يقبل الانتقال وباطل ان يكون جوهراً لأن الجواهر متجانسة فليس بعضها بأن يكون مفسداً لبعض بأولى من عكسه فبطل ما قالوه وأقرب طريقة قالها من ينتحل الإسلام منهم إن قالوا لا يبعد أن تنبعث جواهر لطيفة غير مرئية من عين العائن للتصل بالمعين فتتخلل مسام جسمه فيخلق الله عز وجل الهلاك عندها كما يخلق الهلاك عند شرب السموم عادة أجراها الله عز وجل وليست ضرورة ولا طبيعية ألجأ الفعل إليها قال ومذهب أهل السنة أن المعين إنما يفسد ويهلك عند نظر العائن بفعل الله تعالى أجرى الله تعالى العادة بأن يخلق الضرر عند مقابلة هذا الشخص شخصاً آخر، وهل ثم جواهر أم لا فهذا من مجوزات العقول لا يقطع فيه بواحد من الأمرين وإنما يقطع بنفي الفعل عنها وإضافته إلى الله تعالى فمن قطع من أطباء الإسلام بانبعاث الجواهر فقد أخطأ في قطعه وإنما هو من الجائزات هذا ما يتعلق بعلم الأصول وأما ما يتعلق بعلم الفقه فإن الشرع قد ورد بالوضوء لهذا الأمر في حديث سهل بن حنيف لما أصيب بالعين عند اغتساله رواه مالك في الموطأ.
وأما صفة وضوء العائن فمذكور في كتب شرح الحديث ومعروف عند العلماء فيطلب من هناك فليس هذا موضعه والله أعلم.
وقال وهب بن منبه: في قوله: {لا تدخلوا من باب واحد وادخلوا من أبواب متفرقة} أنه خاف أن يغتالوا لما ظهر لهم في أرض مصر من التهمة حكاه ابن الجوزي عنه وقيل إن يعقوب عليه الصلاة والسلام كان قد علم أن ملك مصر هو ولده يوسف عليه الصلاة والسلام إلا أن الله تعالى لم يأذن له في إظهاره ذلك فلما بعث أبناءه إليه قال لهم: لا تدخلوا من بابا واحد وادخلوا من أبواب متفرقة وكان غرضه أن يصل بنيامين إلى أخيه يوسف في وقت الخلوة قبل إخوته والقول الأول أصح أنه خاف عليهم من العين ثم رجع إلى علمه وفوض أمره إلى الله تعالى بقوله: {وما أغني عنكم من الله من شيء} يعني إن كان الله قد قضى عليكم بقضاء فهو يصيبكم مجتمعين كنتم أو متفرقين فإن المقدور كائن ولا ينفع حذر من قدر {إن الحكم إلا لله} يعني وما الحكم إلا لله وحده لا شريك له فيه وهذا تفويض من يعقوب في أموره كلها إلى الله تعالى: {عليه توكلت} يعني عليه اعتمدت في أموري كلها لا على غيره {وعليه فليتوكل المتوكلون ولما دخلوا من حيث أمرهم أبوهم} يعني من الأبواب المتفرقة وكان لمدينة مصر وقيل مدينة الفرماء أربعة أبواب فدخلوا من أبوابها كلها {ما كان يغني عنهم من الله من شيء} وهذا تصديق من الله سبحانه وتعالى ليعقوب فيما قال وما أغني عنكم من الله من شيء {إلا حاجة في نفس يعقوب قضاه} هذا استثناء منقطع ليس من الأول في شيء ومعناه لكن حاجة في نفس يعقوب قضاها وهو أنه أشفق عليهم إشفاق الآباء على الأبناء وذلك أنه خاف عليهم من العين أو خاف عليهم حسد أهل مصر أو خاف أن لا يردوا عليه فأشفق من هذا كله أو بعضه {وأنه} يعني يعقوب {لذو علم} يعني صاحب علم {لما علمناه} يعني لتعليمنا إياه ذلك العلم، وقيل: معناه وإنه لذو علم للشيء الذي والمعنى أنا لما علمناه هذه الأشياء حصل له العلم بتلك الأشياء، وقيل: إنه لذو حفظ لما علمناه وقيل إنه كان يعمل ما يعمل عن علم لا عن جهل، وقيل: إنه لعامل بما علمناه قال سفيان من لا يعمل بما يعلم لا يكون عالماً {ولكن أكثر الناس لا يعلمون} يعني لا يعلمون ما كان يعلم يعقوب لأنهم لم يسلكوا طريق إصابة العلم وقال ابن عباس: لا يعلم المشركون ما ألهم الله أولياءه.


قوله تعالى: {ولما دخلوا على يوسف آوى إليه أخاه} قال المفسرون: لما دخل إخوة يوسف على يوسف قالوا أيها الملك هذا أخونا الذي أمرتنا أن نأتيك به قد جئناك به فقال لهم أحسنتم وأصبتم وستجدون ذلك عندي ثم أنزلهم وأكرم نزلهم ثم إنه أضافهم وأجلس كل اثنين على مائدة فبقي بنيامين وحيداً فبكى وقال لو كان أخي يوسف حياً لأجلسني معه فقال يوسف لقد بقي هذا وحده فقالوا كان له أخ فهلك قال لهم أجلسه معي فأخذه فأجلسه معه على مائدته وجعل يؤاكله فلما كان الليل أمرهم بمثل ذلك وقال كل اثنين منكم ينامان على فراش واحد فبقي بنيامين وحده فقال يوسف هذا ينام عندي على فراشي فنام بنيامين مع يوسف على فراشه فجعل يوسف يضمه إليه ويشم ريحه حتى أصبح فلما أصبح قال لهم إني أرى هذا الرجل وحيداً ليس معه ثان وسأضمه إليّ فكيون معي في منزلي ثم إنه أنزلهم وأجرى عليهم الطعام فقال روبيل ما رأينا مثل هذا فذلك قوله آوى إليه أخاه يعني ضمه وأنزل معه في منزله فلما خلا به قال له يوسف ما اسمك قال بنيامين قال وما بنيامين قال ابن المشكل وذلك أنه لما ولدته أمه هلكت قال وما اسم أمك قال راحيل قال فهل لك من ولد قال عشر بنين قال فهل لك من أخ لأمك قال كان لي أخ فهلك قال يوسف أتحب أن أكون أخاك بدل أخيك الهالك قال بنيامين ومن فهل لك من يجد أخاً مثلك أيها الملك ولكن لم يلدك يعقوب ولا راحيل فبكى يوسف عليه الصلاة والسلام وقام إليه وعانقه و{قال} له {إني أنا أخوك} يعني يوسف {فلا تبتئس} يعني لا تحزن وقال أهل اللغة تبتئس تفتعل من البؤس وهو الضرر والشدة والابتئاس اجتلاب الحزن والبؤس {بما كانوا يعملون} يعني فلا تحزن بشيء فعلوه بنا فيما مضى فإن الله قد أحسن إلينا ونجانا من الهلاك وجمع بيننا، وقيل: إن يوسف صفح عن إخوته وصفا لهم فأراد أن يجعل قلب أخيه بنيامين مثل قبله صافياً عليهم ثم قال يوسف لأخيه بنيامين لا تعلم إخوتك بشيء مما أعلمتك به ثم إنه أوفى لإخوته الكيل وزاد لكل واحد حمل بعير ولبنيامين حمل بعير باسمه ثم أمر بساقية الملك فجعلت في رحل أخيه بنيامين، قال السدي: وهو لا يشعر وقال كعب: لما قال له يوسف إني أنا أخوك قال بنيامين أنا لا أفارقك فقال يوسف قد علمت اغتمام والدي عليّ فإذا حبستك عندي ازداد غمه ولا يمكنني هذا إلا بعد أن أشهرك بأمر فظيع وأنسبك إلى ما لا يحمد قال لا أبالي فافعل ما بدا لك فإني لا أفارقك قال فإني أدس صاعي في رحلك ثم أنادي عليكم بالسرقة ليتهيأ لي ردك بعد تسريحك قال فافعل ما شئت.


{فلما جهزهم بجهازهم جعل السقاية في رحل أخيه} وهي المشربة التي كان الملك يشرب فيها، قال ابن عباس: كانت من زبرجد، وقال ابن إسحاق كانت من فضة وقيل من ذهب، وقال عكرمة: كانت مشربة من فضة مرصعة بالجواهر جعلها يوسف مكيالاً لئلا يكال بغيرها وكان يشرب فيها والسقاية والصواع اسم لإناء واحد وجعلت في وعاء طعام أخيه بنيامين ثم ارتحلوا راجعين إلى بلادهم فأمهلهم يوسف حتى انطلقوا وذهبوا منزلاً وقيل حتى خرجوا من العمارة ثم أرسل خلفهم من استوقفهم وحبسهم {ثم أذن مؤذن} يعني نادى مناد وأعلم معلم.
والأذان في اللغة الإعلام {أيتها العير} وهي القافلة التي في الأحمال، وقال مجاهد: العير الحمير والبغال، وقال أبو الهيثم: كل ما سير عليه من الإبل والحمير والبغال فهي عير وقول من قال إنها الإبل خاصة باطل وقيل العير الإبل التي تحمل عليها الأحمال سميت بذلك لأنها تعير أي تذهب وتجيء وقيل هي قافلة الحمير ثم كثر ذلك في الاستعمال حتى قيل لكل قافلة عير وقوله أيتها العير أراد أصحاب العير {إنكم لسارقون} فقفوا والسرقة أخذ ما ليس له أخذه في خفاء.
فإن قلت هل كان هذا النداء بأمر يوسف أم لا فإن كان بأمره فكيف يليق بيوسف مع علو منصبه وشريف رتبته من النبوة والرسالة أن يتهم أقواماً وينسبهم إلى السرقة كذباً مع علمه ببراءتهم من ذلك وإن كان ذلك النداء بغير أمره فهلا أظهر براءته عن تلك التهمة التي نسبوا إليها.
قلت ذكر العلماء عن هذا السؤال أجوبة:
أحدها: أن يوسف لما أظهر لأخيه أنه أخوه قال لست أفارقك قال لا سبيل إلى ذلك إلا بتدبير حيلة أنسبك فيها إلى ما يليق قال رضيت بذلك فعلى هذا التقدير لم يتألم قلبه بسبب هذا الكلام بل قد رضي به فلا يكون ذنباً.
الثاني: أن يكون المعنى إنكم لسارقون ليوسف من أبيه إلا أنهم ما أظهروا هذا الكلام فهو من المعاريض وفي المعاريض مندوحة عن الكذب.
الثالث: يحتمل أن يكون المنادي ربما قال ذلك النداء على سبيل الاستفهام وعلى هذا التقدير لا يكون كذباً.
الرابع: ليس في القرآن ما يدل على أنهم قالوا ذلك بأمر يوسف وهو الأقرب إلى ظاهر الحال لأنهم طلبوا السقاية فلم يجدوها ولم يكن هناك أحد غيرهم وغلب على ظنهم أنهم هم الذين أخذوها فقالوا ذلك بناء على غلبة ظنهم {قالوا وأقبلوا عليهم ماذا تفقدون} قال أصحاب الأخبار لما وصل الرسل إلى إخوة يوسف قالوا لهم ألم نكرمكم ونحسن ضيافتكم ونوف إليكم الكيل ونفعل بكم ما لم نفعل بغيركم قالوا بلى وما ذاك قالوا فقدنا سقاية الملك ولا نتهم عليها غيركم فذلك قوله تعالى قالوا وأقبلوا عليهم أي عطفوا على المؤذن وأصحابه ماذا أي ما الذي تفقدون والفقدان ضد الوجود {قالوا} يعني المؤذن وأصحابه {نفقد صواع الملك} الصاع الإناء الذي يكال به وجمعه أصوع والصواع لغة فيه وجمعه صيعان {ولمن جاء به} يعني بالصواع {حمل بعير} يعني من الطعام {وأنا به زعيم} أي كفيل قال الكلبي الزعيم هو الكفيل بلسان أهل اليمن وهذه الآية تدل على أن الكفالة كانت صحيحة في شرعهم وقد حكم رسول الله صلى الله عليه وسلم بها في قوله: «الحميل غارم» والحميل الكفيل.
فإن قلت كيف تصح هذه الكفالة مع أن السارق لا يستحق شيئاً.
قلت لم يكونوا سراقاً في الحقيقة فيحمل ذلك على مثل رد الضائع فيكون جعالة أو لعل مثل هذه الكفالة كانت جائزة عندهم في ذلك الزمان فيحمل عليه {قالوا} يعني إخوة يوسف {تالله} التاء بدل من الواو ولا تدخل إلا على اسم الله في اليمين خاصة تقديره والله {لقد علمتم ما جئنا لنفسد في الأرض وما كنا مسرفين} قال المفسرون: إن أخوة يوسف حلفوا على أمرين:
أحدهما: أنهم ما جاؤوا لأجل الفساد في الأرض والثاني أنهم ما جاؤوا سارقين وإنما قالوا هذه المقالة لأنه كان قد ظهر من أحوالهم ما يدل على صدقهم وهو أنهم كانوا مواظبين على أنواع الخير والطاعة والبر حتى بلغ من أمرهم أنهم شدوا أفواه دوابهم لئلا تؤذي زرع الناس ومن كانت هذه صفته فالفساد في حقه ممتنع.
وأما الثاني: وهو أنهم ما كانوا سارقين فلأنهم قد كانوا ردوا البضاعة التي وجدوها في رحالهم ولم يستحلوا أخذها ومن كانت هذه صفته فليس بسارق فلأجل ذلك قالوا لقد علمتم ما جئنا لنفسد في الأرض وما كنا سارقين فلما تبينت براءتهم من هذه التهمة {قالوا} يعني أصحاب يوسف وهو المنادي وأصحابه {فما جزاؤه إن كنتم كاذبين} يعني فما جزاء السارق إن كنتم كاذبين في قولكم ما جئنا لنفسد في الأرض وما كنا سارقين.

6 | 7 | 8 | 9 | 10 | 11 | 12 | 13